الأربعاء، 4 يناير 2012

في رحاب مسجد ... لوحة للفنان جان ليون جيروم سنة 1870م


في هذه اللوحة الوثائقيه للفنان جيروم نراه اهتم هذه المرة برسم المسجد من الداخل ،حيث ظهرت المساجد بكثرة في لوحاته من الخارج و قد خص مؤذن المسجد باكثر من لوحة عرضنا لاثنتين منها كما ظهرت مساجد اخري في لوحات اخري عرضناها له بالشرح.
في رحاب المسجد لا تحتاج منا الي كلام عن مدي دقتها و روعتها فتامل اللوحة يغني احيانا عن الكلام الا اننا سنتحدث عن تكوين اللوحة و نحللها الي عناصرها التشكيلية لنري مواطن الجمال فيها.فالمشهد به عدد 16 شخص يصلون بالمسجد تتنوع اوضاعهم ما بين السجود و الركوع و الوقوف او حتي ما بينها من حركات و هناك ايضا اشخاص جالسون ربما للذكر او التبرك بالجلوس في المسجد.
في منتصف اللوحة تماما نري ان المكان يغمره ضوء بقوة واضحة لوجود ما نسميه "الشخشيخة" باعلي و هي غرفة واسعه باعلي المسجد بها الكثير من الشبابيك تحت القبة مباشرة و تبني بغرض اضاءة المسجد بالنور الطبيعي طوال النهار .و تبدا دائما بقاعدة مربعه و نشاهد ذلك باعلي اللوحة ،ثم يتحول المربع تدريجيا الي الشكل الدائري كي يحمل القبة و يبدا التدوير غالبا بشكل هندسي سداسي و هو ما يمكن ان نراه ايضا في اللوحة.
و لا يغفل الفنان ان يهتم بالزخارف الدقيقة التي تشغل مساحة قاعدة القبه باكملها فيرسمها برغم دقتها علي شكل مساحات بالوان خشنه فيها الكثير من الظلال الرقيقة توحي بوجود زخارف جصية في هذا الاطار المعماري .
هذه القبة تحملها اعمدة توازيها اعمدة اخري تملأ ساحة المسجد و هذه الاعمدة لها تيجان مشغولة بزخارف محفورة في الحجر و تبرز للاعمدة جمالا بدونها تسقط قيمتها الجمالية درجات .و هنا ايضا نري ان الفنان المعماري قد ابتدع الاقواس التي تصل بين كل عمودين و هي حيلة معمارية ابتكرها الفنان المسلم كي يستريح من عناء المساحات المعمارية الضيقه ،حيث تتيح له ان يتسع في مساحة البناء كما يريد . و لا يتركها المعماري بلا مؤثرات جماليه فانشاها بلونين مختلفين .
في منطقة الضوء الساطع نري سجادة صلاة تعطينا فكرة جيده عن مستوي هذه الصناعة و قيمتها الفنية في ذلك الوقت كما تعطينا كسوة باقي الارضيات فكرة كذلك عن درجة حرص الناس و اهتمامهم بالمساجد و تعميرها.
مما يلفت النظر لبراعة جيروم هو ذلك السياج الحديدي في نهاية اللوحة و يبدو انه يفصل ضريحا عن ساحة الصلاة فالفنان برع فيه رغم بساطة تكوينه الا ان من يتامله يشعر و كانه مصنوع بالفعل من خامة الحديد و ليس من اي خامة اخري ،كما توجد مساحة واسعة خلف السياج غلب عليها الظلام كسر الفنان حدة رتابة هذا الظلام بعمل شباكين للضوء كان وجودهما في هذه المساحة المظلمة سببا في شدة سطوعهما و ظهورهما و لفتهما للانظار بعيدا عن هذا الظلام .
الناس في اللوحة يعبرون عن عصرهم بملابسهم التي تعتبر غريبة جدا عن ملابس عصرنا الان بل ربما تثير الضحك عند البعض ، لكنها في هذه اللوحة تثير الاعجاب بمدي عبقرية الفنان في الاهتمام بكل شيء الصغير قبل الكبير ،فلا تجد عمامة الا و فيها الكثير من مناطق الظلال التي توحي بكثرة لفات شال العمامة رغم شدة صغرمساحتها و كذلك الملابس ،و علي المتامل ان يعيد النظر الي اللوحة كرة و كرتين يتامل فيها عمائم الرجال و ملابسهم مختلفة الالوان و الاشكال و يتساءل عن اي شيء ناقص يمكن ان يراي الفنان قد اغفله .اغلب الظن ان لا شيء ناقص هناك
.

0 التعليقات:

 

Featured