الأربعاء، 3 يوليو 2013

الفنان العالمي محمد بوكرش

رسام ونحات عالمي، تبدع أنامله في اللعب بالريشة، وساعداه القويان في صنع الحرف والمنحوتات، هو فنان وإنسان قبل كل شيء، بعدما عاش من حياته ما أثر فيه وفي فنه، جعل من النحت وسيلة للتعبير الفني والفكري والفلسفي، وأصبحت منحوتاته المعروضة هنا وهناك تشكل سرورا للعين الناظرة إليها. ولد الفنان بوكرش محمد ببورويس السرس، بولاية الكاف بالجمهورية التونسية سنة 1951، وسجل بالجلفة سنة 1954 أيام اندلاع الثورة الجزائرية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ولد بتونس وهو جزائري الأصل من الأم والأب؟ عن هذه القصة يحدثنا الفنان بوكرش قائلا: “جدي سليمان الحيلة أو الحرفة كما يلقبونه أبناء عرشه “أولاد سيدي بن علية”، كان حرفيا مختصا في صناعة الأسلحة النارية أي نحات، ومنجزاته منحوتات وظيفية، كانت البداية بالأواني الخشبية إلى تصميم البندقيات، قضى معظم أوقاته يرافق الأمير عبد القادر في الحل والترحال مع العاصمة المتنقلة “الزمالة”، ويوم نفي الأمير عبد القادر، وُجد في قائمة المقربين منه وعليه أصبح مرشحا للقتل، وقد علم بذلك من أحد أعيان المنطقة، ومن عائلة لحرش، فكان هذا سبب سفره إلى تونس. وبينما كان الفنان يزاول دراسته الابتدائية بالسرس ورأس الطابية بالعاصمة التونسية قرب باردو، أين توجد مقرات جبهة التحرير الوطنية ومقر الكشافة الجزائرية التي انضم إلى أشبالها، فتهيّأ ليكون وقود الثورة الجزائرية، وذلك سنة 1960 إلى 1962، اكتشفه معلمه بالمدرسة التونسية الابتدائية رأس الطابية، بعدما رآه من رسوم في كراس المحفوظات، الذي رسم فيه موضوعا لكل قصيدة بما يتماشى والتعبير فيها، فكلفه منذ ذلك اليوم برسم صورة مكبرة على السبورة، تصور نص القراءة المبرمج كل صباح، وأصبح للطفل بوكرش مهام كبيرة على عاتقه وإحساس بالمسؤولية، فأصبح ينهض باكرا للوصول إلى المدرسة قبل دخول زملائه بساعة ليرسم الموضوع ويلونه. كان هذا التشجيع والتقدير من معلم الابتدائية داعما وحافزا نمى الموهبة التي فجرتها فيما بعد الصور الموجودة على أغلفة المجلات وداخلها لأبطال الجزائر وعلمائها، كالأمير عبد القادر على حصانه، والإمام بن باديس وممثلي الجزائر بالحكومة المؤقتة، ومن بين الوجوه التي كان يرسمها دائما الأمير عبد القادر، ابن باديس، الشيخ العربي التبسي، الشيخ بشير الإبراهيمي وخاصة الرئيس السابق بن بلة، حيث كان الفنان الصغير ولوعا بهم وبأخبار الثورة وبالجزائر المستقلة. وبعد الاستقلال مباشرة دخلت العائلة إلى ولاية برج بوعريرج، ونزلت بعين تاغروت، أين التحق محمد بوكرش بالمدرسة الابتدائية الجزائرية، وفي هذه المرة أيضا اكتشفه أستاذ اللغة العربية، الأستاذ المرحوم لطرش العيد، المكلف بالجزائريين بفرنسا أيام ثورة التحرير وهو أحد خريجي جامع الزيتونة، ومكلف من طرف جمعية العلماء المسلمين للقيام بالتحسيس والالتفاف حول الثورة المجيدة ثورة أول نوفمبر، التحق بالجزائر أيضا لتجمعه الأقدار بالفنان الصغير بمدرسة عين تاغروت ويكتشفه كرسام ونحات، وفي الدراسة الثانوية التقى بالمخرج الفرنسي شار بونال كأستاذ رسم بثانوية محمد قرواني، تعلم معه فنون الديكور والماكياج وكل ما هو سينوغرافي، زيادة على دراسة المنظور والرسم به، وكان أول من طلب منه الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة فلبى طلبه دون أن يفهم ذلك، لأنها كانت لا تعنيه بقدر شهادة البكالوريا، ولما شاءت الأقدار أن يتوفى أبوه، توقف عن الدراسة والتحق بمهنة التعليم لمدة سنتين، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة ليتخرج منها سنة 1979، بالشهادة الوطنية للفنون الجميلة اختصاص نحت بدرجة امتياز، ويتحصل على الجائزة الوطنية الأولى في النحت في نفس السنة بمسابقة أجرتها وزارة المجاهدين، وبعد عام من حصوله على الشهادة أصبح محمد بوكرش أستاذا لمادة النحت بنفس المدرسة 1980/1982. وهو اليوم فنان يجمع بين النحت والرسم والكتابة والتأليف والتدريس، يشغل منصب أستاذ كاتب ومحاضر، ينشر بمجلات عديدة كالفوانيس، المثقف، تحياتي، أصوات الشمال ومجلة تمارين، ينتج برامج فنية عامة وينشط بالإذاعة الثقافية الجزائرية منذ سنة 2000، وينتج وينشط بالفضائية الثالثة الجزائرية ركن لوحة وفنان حصة “خليكم معنا”، ويبقى التعليم من أحب الأعمال لديه، فهو أستاذ في مادة التربية التشكيلية بالمدينة التي يقطن بها حاليا، مدينة خميستي بولاية تيبازة منذ سنة 1984 إلى يومنا هذا، حاز العديد من الجوائز والميداليات في المهرجانات الوطنية والعالمية، شارك و لا يزال يشارك في معظم التظاهرات الثقافية الفكرية منذ 1982 إلى يومنا هذا، وله من المؤلفات مخطوط موسوم بسعادة الصفر وهو دراسة كيفيات اختراع الأرقام المغاربية العربية الغبارية ورسمها الصحيح، ومخطوط آخر عبارة عن مقالات نشرت بمجلات المواقع السياسية والثقافية على الشبكة العنكبوتية من مقالات ونقد ونقد النقد والتعريف ببعض الشخصيات الفنية التشكيلية، كما له رصيد هائل من حوارات ولقاءات أجراها مع شعراء وكتاب وفنانين تشكيليين، وفنانين موسيقيين لفائدة الإذاعة الثقافية. تبقى أعمال الفنان النحتية والرسومات شاهدة من شواهد الحاضر الجزائري للمستقبل، في شوارعها وفي حدائقها وساحاتها العمومية وفي التماثيل والمنحوتات المجسدة لتاريخ هذه الأمة وأعمال فنية كثيرة تزين المتاحف الوطنية، لتساهم في الجمال العمراني الذي لا يكون إلا بجمال مثل هذه الصور التي يجسدها الفنان محمد بوكرش
اقرأ المزيد »

 

Featured