الأربعاء، 4 يناير 2012

مغادرة المسجد...لوحة لجان ليون جيروم


احدي روائع جيروم التي اهتم فيها بتوثيق رحلته الي الشرق و خاصة مدينة القاهرة. في اللوحة نري جيروم قد اختار المساجد القديمة كموضوع اثير لديه اهتم به في اغلب لوحاته حيث رسم هذه المرة المسجد و الناس خارجون منه بعد انتهاء الصلاة .و الصورة القاهريه في هذا العصر لا تختلف كثيرا عن الصورة الحاليه للمساجد عند الخروج من الصلاة الا في مظاهر قليلة تخص الفارق بين العصرين.
ففي هذه اللوحة نري واجهة مسجد تسد اللوحة كاملة الا من ركن ضيق جدا في اقصي اليمين تظهر فيه السماء و مئذنة و قبه لمسجد اخر في اشارة الي كثرة مساجد القاهرة حتي انك تري من امام المسجد ماذن و قباب و ماذن مساجد اخري كثيرة.
لا يزال هذا المشهد يتكرر ظهوره في اماكن كثيرة بمصر لازلنا نري بائعات الفاكهة يفتشن ببضائعهن امام المساجد حيث يكثر الناس و بالتالي الزبائن ،كما نري نماذج المتسكعين العاطلين الذين لا يبالون بالصلاة كما في حالة الفتي الجالس في اقصي اليسار و يبدو و كانه يمص عود قصب ...تماما كما يحدث الان .كذلك نري الكلاب الضالة تمرح في الطريق كما نراه الان.باختصار مصر لم تتغير منذ تاريخ رسم اللوحة حتي هذه اللحظة في الشكل العام و الذي تغير منها هو ربما طرز بناء المساجد المعمارية و كذلك طرز ملابس الناس.اي اننا لو اتينا نفس المسجد الذي رسمه جيروم و انتظرنا خروج الناس من الصلاة و التقطنا لهم صورة فاننا سنشاهدهم بزحامهم لحظة الخروج من الصلاة و سنجد بائعات الخضار و الفاكهة جالسات في نفس المكان و كذلك المتسكعين الذين لا يبالون بالصلاة و كلاب الشوارع الضالة ،كل ذلك سنجده في واقعنا المعاصر تماما كما كان منذ قرنين الا فارق واحد هو ملابس الناس .
عدد كبير جدا من الناس خارجون من المسجد برع جيروم في اختيار العناصر القريبة منهم فجعلهم باشكال و الوان مختلفة و لم يعط البعيدين في عمق اللوحة نفس درجة الاهتمام في رسم الاختلافات الشكلية و اللونية حتي انه طمس ملامحهم لاظهار العمق في اللوحة و يبدو الوضوح الشديد الذي تتمتع به الشخصيات القريبة من الدقة بحيث نراها و كانها شخصيات واقعية و ليست من خيال الفنان اذ تبدو لنا هذه الشخصيات و كانها بعيدة تماما عن الخيال ،فالملامح دقيقة جدا حتي لتجد لحية الشيخ مرسومة بعناية لا تنقص عن الحقيقة شيء و كذلك الملابس تبدو طياتها و كرمشاتها دقيقة للغاية و كنموزج لهذه الدقة فلنتامل الرجل الاول ذو الملابس اللبنية و حزامه الاحمر و عمامته البيضاء و طيات ملابسه الدقيقة جدا بالوانها حتي لكانها قماش حقيقي و ليست الوان .
المباني لونها الفنان بالوان فاتحة و اختار الفنان مدخل متعدد المستويات في العمق لاثراء اللوحة جماليا خاصة مع وجود العقود بخطوطها المنحنية و الاعمدة في مدخل المسجد .
كثرة اشكال الحركة التي يتخذها الناس في اللوحة تعتبر من مواطن الجمال فيها ،حيث ينظر الناس في اتجاهات مختلفة و يؤدون حركات متنوعة بما يوحي بتعدد الاهداف علي سلم المسجد بعد ان جمعهم المسجد علي هدف واحد و علي قلب واحد .و كذلك حركة الكلاب في الطريق جاءت لتضيف الي اللوحة جمالا اكثر .
من الممتع جدا ان نري ان اللوحة علي كثرة البشر فيها و وجود حيوانات و مبان الا ان الفنان لم يخطيء في نسب اي مكون من مكوناتها مما يؤكد علي عبقرية الفنان الذي تتاكد عبقريته مع كل لوحة نشرحها له
اقرأ المزيد »

في رحاب مسجد ... لوحة للفنان جان ليون جيروم سنة 1870م


في هذه اللوحة الوثائقيه للفنان جيروم نراه اهتم هذه المرة برسم المسجد من الداخل ،حيث ظهرت المساجد بكثرة في لوحاته من الخارج و قد خص مؤذن المسجد باكثر من لوحة عرضنا لاثنتين منها كما ظهرت مساجد اخري في لوحات اخري عرضناها له بالشرح.
في رحاب المسجد لا تحتاج منا الي كلام عن مدي دقتها و روعتها فتامل اللوحة يغني احيانا عن الكلام الا اننا سنتحدث عن تكوين اللوحة و نحللها الي عناصرها التشكيلية لنري مواطن الجمال فيها.فالمشهد به عدد 16 شخص يصلون بالمسجد تتنوع اوضاعهم ما بين السجود و الركوع و الوقوف او حتي ما بينها من حركات و هناك ايضا اشخاص جالسون ربما للذكر او التبرك بالجلوس في المسجد.
في منتصف اللوحة تماما نري ان المكان يغمره ضوء بقوة واضحة لوجود ما نسميه "الشخشيخة" باعلي و هي غرفة واسعه باعلي المسجد بها الكثير من الشبابيك تحت القبة مباشرة و تبني بغرض اضاءة المسجد بالنور الطبيعي طوال النهار .و تبدا دائما بقاعدة مربعه و نشاهد ذلك باعلي اللوحة ،ثم يتحول المربع تدريجيا الي الشكل الدائري كي يحمل القبة و يبدا التدوير غالبا بشكل هندسي سداسي و هو ما يمكن ان نراه ايضا في اللوحة.
و لا يغفل الفنان ان يهتم بالزخارف الدقيقة التي تشغل مساحة قاعدة القبه باكملها فيرسمها برغم دقتها علي شكل مساحات بالوان خشنه فيها الكثير من الظلال الرقيقة توحي بوجود زخارف جصية في هذا الاطار المعماري .
هذه القبة تحملها اعمدة توازيها اعمدة اخري تملأ ساحة المسجد و هذه الاعمدة لها تيجان مشغولة بزخارف محفورة في الحجر و تبرز للاعمدة جمالا بدونها تسقط قيمتها الجمالية درجات .و هنا ايضا نري ان الفنان المعماري قد ابتدع الاقواس التي تصل بين كل عمودين و هي حيلة معمارية ابتكرها الفنان المسلم كي يستريح من عناء المساحات المعمارية الضيقه ،حيث تتيح له ان يتسع في مساحة البناء كما يريد . و لا يتركها المعماري بلا مؤثرات جماليه فانشاها بلونين مختلفين .
في منطقة الضوء الساطع نري سجادة صلاة تعطينا فكرة جيده عن مستوي هذه الصناعة و قيمتها الفنية في ذلك الوقت كما تعطينا كسوة باقي الارضيات فكرة كذلك عن درجة حرص الناس و اهتمامهم بالمساجد و تعميرها.
مما يلفت النظر لبراعة جيروم هو ذلك السياج الحديدي في نهاية اللوحة و يبدو انه يفصل ضريحا عن ساحة الصلاة فالفنان برع فيه رغم بساطة تكوينه الا ان من يتامله يشعر و كانه مصنوع بالفعل من خامة الحديد و ليس من اي خامة اخري ،كما توجد مساحة واسعة خلف السياج غلب عليها الظلام كسر الفنان حدة رتابة هذا الظلام بعمل شباكين للضوء كان وجودهما في هذه المساحة المظلمة سببا في شدة سطوعهما و ظهورهما و لفتهما للانظار بعيدا عن هذا الظلام .
الناس في اللوحة يعبرون عن عصرهم بملابسهم التي تعتبر غريبة جدا عن ملابس عصرنا الان بل ربما تثير الضحك عند البعض ، لكنها في هذه اللوحة تثير الاعجاب بمدي عبقرية الفنان في الاهتمام بكل شيء الصغير قبل الكبير ،فلا تجد عمامة الا و فيها الكثير من مناطق الظلال التي توحي بكثرة لفات شال العمامة رغم شدة صغرمساحتها و كذلك الملابس ،و علي المتامل ان يعيد النظر الي اللوحة كرة و كرتين يتامل فيها عمائم الرجال و ملابسهم مختلفة الالوان و الاشكال و يتساءل عن اي شيء ناقص يمكن ان يراي الفنان قد اغفله .اغلب الظن ان لا شيء ناقص هناك
.
اقرأ المزيد »

 

Featured