الأربعاء، 3 يوليو 2013

الفنان العالمي محمد بوكرش

رسام ونحات عالمي، تبدع أنامله في اللعب بالريشة، وساعداه القويان في صنع الحرف والمنحوتات، هو فنان وإنسان قبل كل شيء، بعدما عاش من حياته ما أثر فيه وفي فنه، جعل من النحت وسيلة للتعبير الفني والفكري والفلسفي، وأصبحت منحوتاته المعروضة هنا وهناك تشكل سرورا للعين الناظرة إليها. ولد الفنان بوكرش محمد ببورويس السرس، بولاية الكاف بالجمهورية التونسية سنة 1951، وسجل بالجلفة سنة 1954 أيام اندلاع الثورة الجزائرية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ولد بتونس وهو جزائري الأصل من الأم والأب؟ عن هذه القصة يحدثنا الفنان بوكرش قائلا: “جدي سليمان الحيلة أو الحرفة كما يلقبونه أبناء عرشه “أولاد سيدي بن علية”، كان حرفيا مختصا في صناعة الأسلحة النارية أي نحات، ومنجزاته منحوتات وظيفية، كانت البداية بالأواني الخشبية إلى تصميم البندقيات، قضى معظم أوقاته يرافق الأمير عبد القادر في الحل والترحال مع العاصمة المتنقلة “الزمالة”، ويوم نفي الأمير عبد القادر، وُجد في قائمة المقربين منه وعليه أصبح مرشحا للقتل، وقد علم بذلك من أحد أعيان المنطقة، ومن عائلة لحرش، فكان هذا سبب سفره إلى تونس. وبينما كان الفنان يزاول دراسته الابتدائية بالسرس ورأس الطابية بالعاصمة التونسية قرب باردو، أين توجد مقرات جبهة التحرير الوطنية ومقر الكشافة الجزائرية التي انضم إلى أشبالها، فتهيّأ ليكون وقود الثورة الجزائرية، وذلك سنة 1960 إلى 1962، اكتشفه معلمه بالمدرسة التونسية الابتدائية رأس الطابية، بعدما رآه من رسوم في كراس المحفوظات، الذي رسم فيه موضوعا لكل قصيدة بما يتماشى والتعبير فيها، فكلفه منذ ذلك اليوم برسم صورة مكبرة على السبورة، تصور نص القراءة المبرمج كل صباح، وأصبح للطفل بوكرش مهام كبيرة على عاتقه وإحساس بالمسؤولية، فأصبح ينهض باكرا للوصول إلى المدرسة قبل دخول زملائه بساعة ليرسم الموضوع ويلونه. كان هذا التشجيع والتقدير من معلم الابتدائية داعما وحافزا نمى الموهبة التي فجرتها فيما بعد الصور الموجودة على أغلفة المجلات وداخلها لأبطال الجزائر وعلمائها، كالأمير عبد القادر على حصانه، والإمام بن باديس وممثلي الجزائر بالحكومة المؤقتة، ومن بين الوجوه التي كان يرسمها دائما الأمير عبد القادر، ابن باديس، الشيخ العربي التبسي، الشيخ بشير الإبراهيمي وخاصة الرئيس السابق بن بلة، حيث كان الفنان الصغير ولوعا بهم وبأخبار الثورة وبالجزائر المستقلة. وبعد الاستقلال مباشرة دخلت العائلة إلى ولاية برج بوعريرج، ونزلت بعين تاغروت، أين التحق محمد بوكرش بالمدرسة الابتدائية الجزائرية، وفي هذه المرة أيضا اكتشفه أستاذ اللغة العربية، الأستاذ المرحوم لطرش العيد، المكلف بالجزائريين بفرنسا أيام ثورة التحرير وهو أحد خريجي جامع الزيتونة، ومكلف من طرف جمعية العلماء المسلمين للقيام بالتحسيس والالتفاف حول الثورة المجيدة ثورة أول نوفمبر، التحق بالجزائر أيضا لتجمعه الأقدار بالفنان الصغير بمدرسة عين تاغروت ويكتشفه كرسام ونحات، وفي الدراسة الثانوية التقى بالمخرج الفرنسي شار بونال كأستاذ رسم بثانوية محمد قرواني، تعلم معه فنون الديكور والماكياج وكل ما هو سينوغرافي، زيادة على دراسة المنظور والرسم به، وكان أول من طلب منه الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة فلبى طلبه دون أن يفهم ذلك، لأنها كانت لا تعنيه بقدر شهادة البكالوريا، ولما شاءت الأقدار أن يتوفى أبوه، توقف عن الدراسة والتحق بمهنة التعليم لمدة سنتين، ثم التحق بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة ليتخرج منها سنة 1979، بالشهادة الوطنية للفنون الجميلة اختصاص نحت بدرجة امتياز، ويتحصل على الجائزة الوطنية الأولى في النحت في نفس السنة بمسابقة أجرتها وزارة المجاهدين، وبعد عام من حصوله على الشهادة أصبح محمد بوكرش أستاذا لمادة النحت بنفس المدرسة 1980/1982. وهو اليوم فنان يجمع بين النحت والرسم والكتابة والتأليف والتدريس، يشغل منصب أستاذ كاتب ومحاضر، ينشر بمجلات عديدة كالفوانيس، المثقف، تحياتي، أصوات الشمال ومجلة تمارين، ينتج برامج فنية عامة وينشط بالإذاعة الثقافية الجزائرية منذ سنة 2000، وينتج وينشط بالفضائية الثالثة الجزائرية ركن لوحة وفنان حصة “خليكم معنا”، ويبقى التعليم من أحب الأعمال لديه، فهو أستاذ في مادة التربية التشكيلية بالمدينة التي يقطن بها حاليا، مدينة خميستي بولاية تيبازة منذ سنة 1984 إلى يومنا هذا، حاز العديد من الجوائز والميداليات في المهرجانات الوطنية والعالمية، شارك و لا يزال يشارك في معظم التظاهرات الثقافية الفكرية منذ 1982 إلى يومنا هذا، وله من المؤلفات مخطوط موسوم بسعادة الصفر وهو دراسة كيفيات اختراع الأرقام المغاربية العربية الغبارية ورسمها الصحيح، ومخطوط آخر عبارة عن مقالات نشرت بمجلات المواقع السياسية والثقافية على الشبكة العنكبوتية من مقالات ونقد ونقد النقد والتعريف ببعض الشخصيات الفنية التشكيلية، كما له رصيد هائل من حوارات ولقاءات أجراها مع شعراء وكتاب وفنانين تشكيليين، وفنانين موسيقيين لفائدة الإذاعة الثقافية. تبقى أعمال الفنان النحتية والرسومات شاهدة من شواهد الحاضر الجزائري للمستقبل، في شوارعها وفي حدائقها وساحاتها العمومية وفي التماثيل والمنحوتات المجسدة لتاريخ هذه الأمة وأعمال فنية كثيرة تزين المتاحف الوطنية، لتساهم في الجمال العمراني الذي لا يكون إلا بجمال مثل هذه الصور التي يجسدها الفنان محمد بوكرش
اقرأ المزيد »

الأربعاء، 4 يناير 2012

مغادرة المسجد...لوحة لجان ليون جيروم


احدي روائع جيروم التي اهتم فيها بتوثيق رحلته الي الشرق و خاصة مدينة القاهرة. في اللوحة نري جيروم قد اختار المساجد القديمة كموضوع اثير لديه اهتم به في اغلب لوحاته حيث رسم هذه المرة المسجد و الناس خارجون منه بعد انتهاء الصلاة .و الصورة القاهريه في هذا العصر لا تختلف كثيرا عن الصورة الحاليه للمساجد عند الخروج من الصلاة الا في مظاهر قليلة تخص الفارق بين العصرين.
ففي هذه اللوحة نري واجهة مسجد تسد اللوحة كاملة الا من ركن ضيق جدا في اقصي اليمين تظهر فيه السماء و مئذنة و قبه لمسجد اخر في اشارة الي كثرة مساجد القاهرة حتي انك تري من امام المسجد ماذن و قباب و ماذن مساجد اخري كثيرة.
لا يزال هذا المشهد يتكرر ظهوره في اماكن كثيرة بمصر لازلنا نري بائعات الفاكهة يفتشن ببضائعهن امام المساجد حيث يكثر الناس و بالتالي الزبائن ،كما نري نماذج المتسكعين العاطلين الذين لا يبالون بالصلاة كما في حالة الفتي الجالس في اقصي اليسار و يبدو و كانه يمص عود قصب ...تماما كما يحدث الان .كذلك نري الكلاب الضالة تمرح في الطريق كما نراه الان.باختصار مصر لم تتغير منذ تاريخ رسم اللوحة حتي هذه اللحظة في الشكل العام و الذي تغير منها هو ربما طرز بناء المساجد المعمارية و كذلك طرز ملابس الناس.اي اننا لو اتينا نفس المسجد الذي رسمه جيروم و انتظرنا خروج الناس من الصلاة و التقطنا لهم صورة فاننا سنشاهدهم بزحامهم لحظة الخروج من الصلاة و سنجد بائعات الخضار و الفاكهة جالسات في نفس المكان و كذلك المتسكعين الذين لا يبالون بالصلاة و كلاب الشوارع الضالة ،كل ذلك سنجده في واقعنا المعاصر تماما كما كان منذ قرنين الا فارق واحد هو ملابس الناس .
عدد كبير جدا من الناس خارجون من المسجد برع جيروم في اختيار العناصر القريبة منهم فجعلهم باشكال و الوان مختلفة و لم يعط البعيدين في عمق اللوحة نفس درجة الاهتمام في رسم الاختلافات الشكلية و اللونية حتي انه طمس ملامحهم لاظهار العمق في اللوحة و يبدو الوضوح الشديد الذي تتمتع به الشخصيات القريبة من الدقة بحيث نراها و كانها شخصيات واقعية و ليست من خيال الفنان اذ تبدو لنا هذه الشخصيات و كانها بعيدة تماما عن الخيال ،فالملامح دقيقة جدا حتي لتجد لحية الشيخ مرسومة بعناية لا تنقص عن الحقيقة شيء و كذلك الملابس تبدو طياتها و كرمشاتها دقيقة للغاية و كنموزج لهذه الدقة فلنتامل الرجل الاول ذو الملابس اللبنية و حزامه الاحمر و عمامته البيضاء و طيات ملابسه الدقيقة جدا بالوانها حتي لكانها قماش حقيقي و ليست الوان .
المباني لونها الفنان بالوان فاتحة و اختار الفنان مدخل متعدد المستويات في العمق لاثراء اللوحة جماليا خاصة مع وجود العقود بخطوطها المنحنية و الاعمدة في مدخل المسجد .
كثرة اشكال الحركة التي يتخذها الناس في اللوحة تعتبر من مواطن الجمال فيها ،حيث ينظر الناس في اتجاهات مختلفة و يؤدون حركات متنوعة بما يوحي بتعدد الاهداف علي سلم المسجد بعد ان جمعهم المسجد علي هدف واحد و علي قلب واحد .و كذلك حركة الكلاب في الطريق جاءت لتضيف الي اللوحة جمالا اكثر .
من الممتع جدا ان نري ان اللوحة علي كثرة البشر فيها و وجود حيوانات و مبان الا ان الفنان لم يخطيء في نسب اي مكون من مكوناتها مما يؤكد علي عبقرية الفنان الذي تتاكد عبقريته مع كل لوحة نشرحها له
اقرأ المزيد »

في رحاب مسجد ... لوحة للفنان جان ليون جيروم سنة 1870م


في هذه اللوحة الوثائقيه للفنان جيروم نراه اهتم هذه المرة برسم المسجد من الداخل ،حيث ظهرت المساجد بكثرة في لوحاته من الخارج و قد خص مؤذن المسجد باكثر من لوحة عرضنا لاثنتين منها كما ظهرت مساجد اخري في لوحات اخري عرضناها له بالشرح.
في رحاب المسجد لا تحتاج منا الي كلام عن مدي دقتها و روعتها فتامل اللوحة يغني احيانا عن الكلام الا اننا سنتحدث عن تكوين اللوحة و نحللها الي عناصرها التشكيلية لنري مواطن الجمال فيها.فالمشهد به عدد 16 شخص يصلون بالمسجد تتنوع اوضاعهم ما بين السجود و الركوع و الوقوف او حتي ما بينها من حركات و هناك ايضا اشخاص جالسون ربما للذكر او التبرك بالجلوس في المسجد.
في منتصف اللوحة تماما نري ان المكان يغمره ضوء بقوة واضحة لوجود ما نسميه "الشخشيخة" باعلي و هي غرفة واسعه باعلي المسجد بها الكثير من الشبابيك تحت القبة مباشرة و تبني بغرض اضاءة المسجد بالنور الطبيعي طوال النهار .و تبدا دائما بقاعدة مربعه و نشاهد ذلك باعلي اللوحة ،ثم يتحول المربع تدريجيا الي الشكل الدائري كي يحمل القبة و يبدا التدوير غالبا بشكل هندسي سداسي و هو ما يمكن ان نراه ايضا في اللوحة.
و لا يغفل الفنان ان يهتم بالزخارف الدقيقة التي تشغل مساحة قاعدة القبه باكملها فيرسمها برغم دقتها علي شكل مساحات بالوان خشنه فيها الكثير من الظلال الرقيقة توحي بوجود زخارف جصية في هذا الاطار المعماري .
هذه القبة تحملها اعمدة توازيها اعمدة اخري تملأ ساحة المسجد و هذه الاعمدة لها تيجان مشغولة بزخارف محفورة في الحجر و تبرز للاعمدة جمالا بدونها تسقط قيمتها الجمالية درجات .و هنا ايضا نري ان الفنان المعماري قد ابتدع الاقواس التي تصل بين كل عمودين و هي حيلة معمارية ابتكرها الفنان المسلم كي يستريح من عناء المساحات المعمارية الضيقه ،حيث تتيح له ان يتسع في مساحة البناء كما يريد . و لا يتركها المعماري بلا مؤثرات جماليه فانشاها بلونين مختلفين .
في منطقة الضوء الساطع نري سجادة صلاة تعطينا فكرة جيده عن مستوي هذه الصناعة و قيمتها الفنية في ذلك الوقت كما تعطينا كسوة باقي الارضيات فكرة كذلك عن درجة حرص الناس و اهتمامهم بالمساجد و تعميرها.
مما يلفت النظر لبراعة جيروم هو ذلك السياج الحديدي في نهاية اللوحة و يبدو انه يفصل ضريحا عن ساحة الصلاة فالفنان برع فيه رغم بساطة تكوينه الا ان من يتامله يشعر و كانه مصنوع بالفعل من خامة الحديد و ليس من اي خامة اخري ،كما توجد مساحة واسعة خلف السياج غلب عليها الظلام كسر الفنان حدة رتابة هذا الظلام بعمل شباكين للضوء كان وجودهما في هذه المساحة المظلمة سببا في شدة سطوعهما و ظهورهما و لفتهما للانظار بعيدا عن هذا الظلام .
الناس في اللوحة يعبرون عن عصرهم بملابسهم التي تعتبر غريبة جدا عن ملابس عصرنا الان بل ربما تثير الضحك عند البعض ، لكنها في هذه اللوحة تثير الاعجاب بمدي عبقرية الفنان في الاهتمام بكل شيء الصغير قبل الكبير ،فلا تجد عمامة الا و فيها الكثير من مناطق الظلال التي توحي بكثرة لفات شال العمامة رغم شدة صغرمساحتها و كذلك الملابس ،و علي المتامل ان يعيد النظر الي اللوحة كرة و كرتين يتامل فيها عمائم الرجال و ملابسهم مختلفة الالوان و الاشكال و يتساءل عن اي شيء ناقص يمكن ان يراي الفنان قد اغفله .اغلب الظن ان لا شيء ناقص هناك
.
اقرأ المزيد »

الثلاثاء، 15 مارس 2011

محمد راسم مؤسس مدرسة المنمنمات الجزائرية



ولد الفنان محمد راسم عام 1896 من أسرة عريقة في ضروب الفن التشكيلي، وقد اهتم منذ نعومة أظافره بفن المنمنمات متمكنا منه بسرعة مذهلة و ذلك بمساعدة أعضاء أسرته.

وقد عمل لفترة طويلة كمدرس في معهد الفنون الجميلة، وقد جمعت منمنماته في عدة مؤلفات، منها:
"الحياة الإسلامية في الماضي" و "محمد راسم الجزائري"

حاول محمد راسم، من خلال منمنماته، و انطلاقا من صميم قناعته، إعادة بعث ما ولى من تراث الحضارة الجزائرية المجيد الغني بالقيم الإسلامية الأصيلة.

و قد قدم لنا أعمالا رائعة و فريدة من نوعها، غنية الألوان، إضافة للعديد من التحف الرائعة التي تكفلت بوصف عادات و تقاليد الحياة الجزائرية العريقة.
تمكن محمد راسم بواسطة عبقريته وتحرياته العلمية من إثراء هذا التراث الفني من دون المساس بأصالته، و ذلك مع الحفاظ على التقنيات الجمالية الخاصة بفن المنمنمات.

و قد اتسمت الأعمال التي قام بها محمد راسم، بالدقة و الصبر و ثبات اليد في التنفيذ، بالشاعرية و الحس الجمالي في التعبير إضافة إلى حسن اختيار الألوان.

بعد تحصله عن جدارة على الجائزة الفنية الكبرى للجزائر عام 1933 إضافة إلى وسام المستشرقين، عرضت أعماله في كافة أنحاء المعمورة حيث تم اقتناء العديد منها من طرف عدة متاحف ذات شهرة عالمية مؤكدة.
اقرأ المزيد »

الفن الإسلامي ... جمال أم عظمة؟


مفكر تونسي
لا بدّ أن نعترف أن الفن الإسلامي لا يجد حظه عندنا كعرب إما تدريساً في المدارس والجامعات وإما في البحوث التاريخية والحضارية وإما معروضاً في المتاحف. في القاهرة فقط يوجد متحف للفنون الإسلامية يحتوي مصاحف جميلة جداً وعناصر متعددة من الفنون الصغرى من الخزف والجليز والبرونز وأغلبها من الفترة المملوكية. والقاهرة في حد ذاتها متحف معماري كبير حيث جامع حسن وقايتباي والظاهر بيبرس وجامع القلعة وغير ذلك من كبرى الآثار المعمارية الإسلامية. لكن متاحف اسطنبول وطهران تحتضن الكثير من المنمنمات وآثار أخرى والمتحف الأخير بصدد الترتيب الآن.
صحيح ان الرقعة العربية أو المعربة لم تنتج كثيراً في ميدان الرسم من رسوم جدارية أو منمنمات وهي بالتالي لم تكن لتحتفظ بها، والرسم خلافاً لما يظن أو يقال من أهم مكونات الموروث الفني الإسلامي.
في الرقعة العربية نجد آثاراً معمارية قائمة ذات أهمية كبرى: مسجد قبة الصخرة ومسجد دمشق وقصور الأمويين في البادية وجامع سامراء والملوية وجامع القيروان وتلمسان وكتبية مراكش وأخيراً مسجد قرطبة العظيم وقصر الحمراء. لكن في الرقاع الإسلامية الأخرى، التركية والإيرانية والهندية وفي ما وراء النهر لآسيا الوسطى، ازدهرت بقوة كل الفنون والإبداعات من معمار ورسم وزخرفة وآراباسك ( الزليج الملون) في الفترات المغولية والتيمورية والعثمانية والصفوية وقبل ذلك السلجوقية أي في آخر تحليل بدءاً من القرن 12 م الى سنة 1700 م أي لمدة خمسة قرون عندما صار الأعاجم هم الذين يقودون مصائر الحضارة الإسلامية التي انطفأ وهجها في آخر المدة.
بالنسبة للمؤرخ، من الخطإ الفادح ان يطابق بين حضارة الإسلام الكبيرة وبين فترة الخلافة الموحدة لكل المجال، الأموية تم العباسية إلى حدود مجيء البويهيين (934 م) حيث فقدت الخلافة استقلاليتها ودورها الفعال كما فقد العرب الدور القيادي الذي كان يتقمصه الخليفة العباسي العربي الأصل.
إلا إن فن هذه الرقعة الموحدة دينياً وحضارياً، على رغم التنوّع الجغرافي والاثني من بخارى إلى "أغرا" إلى أصفهان إلى بلاد الشام ومصر والأناضول إلى المغرب إلى الأندلس، وعلى رغم التطور التاريخي الذي هو التغيير بعينه، لا بدّ أن يوسم بسمة "إسلامي" ليس فقط بسبب جوامعه ومدارسه وخانقاته، لكن أيضاً في القصور والرسم والتخطيط والزخرفة والأراباسك.
أكثر من ذلك هناك عناصر مشتركة أساسية على كبر المساحة وطول الفترة من مثل القوس والقبة والمنمنمة والخط العربي وقلة رواج الصورة الإنسانية خلافاً للفن البيزنطي وقبله اليوناني، أو خلافاً للرسم والنحت الاوروبيين. على أن الصورة الممثلة للإنسان وجدت في الرسم الجداري والمنمنمات من القرن العاشر في عراق "الواسطي" إلىحدود القرن السابع عشر في هند الأباطرة التركمان مرورا بـ" بهزاد". وهكذا من الخطأ أن يعتبر البعض أن الفن الإسلامي باستثناء المعمار (وهو فعلاً أهم عنصر) لم يكن فناً كبيراً وانه ارتكز على فنون صغرى. فالحضارة الأوروبية لم تعتمد اللوحة الزيتية في الرسم إلا مع النهضة الإيطالية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولم يبق شيء من الرسم اليوناني القديم وقليل فقط من المنحوتات. وفي الرسم الإسلامي روائع من المنمنمات تضاهي كبرى اللوحات الأوروبية ورسوم جدارية في اصبهان وأخرى عفا عليها الدهر. وهناك رسوم "سياح قلم" في تركيا العثمانية، ولوحات البورتري الكبرى في الهند الإسلامية زمن "أورنغزاب" وشاه "جهان". و هكذا يأتي الرسم في المقام الثاني بعد المعمار. ولنقل كذلك وبكل وضوح أن الفن الإسلامي في مجمله فن كبير حقاً وذو جمالية فائقة ورقة وبهاء وان المبدعين المسلمين أو من اشتغل عندهم أظهروا خيالاً خصباً ومقدرة استنباطية خارقة، لأنهم عرفوا كيف يتفادون تحريم الصورة من طرف الفقهاء (وليس القرآن) واستبعاد هؤلاء لكل ضرب من ضروب الفن بسبب ايديولوجيتهم الصارمة إزاء الحياة والأخلاقية والشعبوية التي مازالت حية الآن.
فأصدقاء الفنانين هم الملوك والأمراء والوزراء قبل كل حساب من الوليد بن عبدالملك إلى السلاجقة إلى شاه عباس الصفوي إلى "أكبر" وشاه جهان في الهند، وقد عوضوا انعدام الصورة وتحريمها بالأراباسك والجص المزخرف وجمال الشكل وعظمة البنية والمنمنمة الصوفية الروح ، وبالتالي فهذا الفن يتسم بجمالية فائقة طريفة في تاريخ الحضارات الإنسانية لها طابع خاص تماماً. فالدين المعيش كما قلت ضد الرمزية الطبيعية المرئية وهذا موجود عند اليهود والمسلمين وحتى في بعض الأحيان المسيحيين لأن الإله السامي إله غير مرئي ولأن القرآن وحده هو الرمز. وهكذا أجبر الفنانون على حل مشكل التحريم بإبداع عالم خيالي جديد، وليس فقط بأشكال جديدة وبأسلوب خاص بالإسلام. وإذ ابتعد هذا الفن عن الوظائف الرمزية حتى صار بالكاد فناً دنيوياً ولو في المسجد، فقد غدا يركز على البصري الصرف وهو من هذا الوجه يشبه الفن الحديث، لأنه ابتعد عن الميث (الأسطورة) الطبيعي العتيق وغالباً عن الصورة وهو يشبه الفن الحديث لتركيزه على الهندسي في الأراباسك ولتجريديته الطاغية، إلا في الرسم ابان الفترة التيمورية أي في القرن الرابع عشر ولا بد إن نعترف أن هذا القرن يحاكي "الكواتروشنتو" الايطالي.
لقد كان الماضي فعلاً زاخراً بالإنجازات العظمى المعمارية وفي العراق بالرسم التعبيري لدى "الواسطي"، لكن العهد التيموري جدّد حقا الفن الإسلامي بتقبله للتأثيرات الصينية في الرسم، ولإبداعه القبة الملونة في المعمار، وربطه الفن بالتراث الشعري والإحساس الشعري الفارسي. وإذا كان الفن المعماري الإسلامي تجريدياً فإن الرسم الجداري والمنمنمات والخزف فن تصويري. ففي المنمنمة التي تمثل الطبيعة والإنسان بدقة وبرهافة وشاعرية وعاطفة انفعالية، الذي يطغى على المشاهد ليس فقط دقة الرسم بل اللون الغزير المضيء. فالمشهد ليس تقليداً للطبيعة ولم يكن كذلك ينحو منحنى البوذية والتاوئية في البحث عن الطريقة الصوفية الحقيقية بل هو مفصل ودقيق ورهيف ويشع بالحيوية المفرطة. هكذا تكوّن أسلوب جديد ليس بالعربي العراقي ولا بالصيني البحت، وصل ذروته في هرات وقد كانت حاضرة خراسان في عهد التيموريين، كما أن شخص الفنان برز في الرسم والمعمار وانضلع عن الحرفية. وإذا كان القرن الخامس عشر في ايطاليا هو قرن "ليوناردو" فالفترة نفسها كانت قرن "بهزاد" في عالم الاسلام في هرات أولاً ثم في تبرير تم في بخارى. لماذا كان بهزاد بطلاً وكذلك تلاميذه من بعده؟ لأنه كان في صراع مستديم مع محدودية الأسلوب والشكل في الحضارة الاسلامية .
اننا نندهش من جمال المنمنمة عندما نتصفح مخطوطات هذه الفترة "كالشاهنامة" حيث نرى تغلب الإيحاء الفارسي على التأثير الصيني والتمرد على الماضي العراقي. لقد كان بهزاد مخضرماً حيث عاصر العهد التيموري وبدء العهد الصفوي حيث انتقل إلى تبريز، فأشع كثيراً في عهد "طاهمام" لقد قيل ان الرسم الفارسي في لحظة 1500م يعكس الفلسفة الاشراقية المتمحورة حول "عالم المثال" وهي من ايحاء افلاطوني، وان المنمنمات تصور مشاهد طبيعية تشير في الحقيقة الى ارض صوفية كأرض "حورقلياء" الرمزية. وهكذا يكون الفن الاسلامي فناً فلسفياً في الحين نفسها الذي يبدو فناً "سوريالياً" . فالرسم البهزادي بعيد عن الطابع الانخداعي للنهضة أو عن الرسم الصيني المتمركز على الذاتية بل هو يطالب المشاهد بأن يحافظ على حريته ويركز نظرته. هو الحرية المطلقة للون وخط الرسم مثل حرية البوليفونيا في الموسيقى. ولقد تمادى الرسم وأشع على شكل "البورتري" في بلاط الأباطرة المسلمين المغول في هند القرن السادس عشر. هنا برزت اللوحة الكبيرة ولقد شاهدتها بعيني في معرض أقيم في باريس في السبعينات واستغربت من ذلك دون شك. هي توحي بتأثير من أوروبا النهضة لكن الأمر غير مثبت. انما يحق للانسان ان يتساءل عما كان سيصير اليه الرسم الاسلامي لولا تحريم الصورة من طرف فقهاء القرن الثاني الهـجري؟ أيكون كما كانت عليه حضارته لمدة تسعة قرون (800 - 1700) أي أعظم حضارات زمانها من دون منازع مع الصين. وهذا فعلاً ما عبّر عنه المعمار الاسلامي سواء في شرق الاسلام (ايران، الهند، آسيا الوسطى) أو في غربه في الشام ومصر والمغرب والاندلس مروراً بالأناضول. وهو شكل يجمع بين الأناقة والجمال وبين العظمة في الفترات الأولى أو المملوكية في مصر.
المعمار الاسلامي معروف ومبجل إلا ان هناك من يفضل العهود الأولى ذات الفن الصافي النقي من التزويق والبهرجة، كجامع ابن طولون أو جامع القيروان، على العهود المتأخرة المتألقة في قباب اصفهان الزرقاء سواء في مسجد الامام أو مسجد لطف الله أو مسجد الجامع ذي الايوان الملون المقرنصي الاخاذ للعين والفكر. اتجاهان وحساسيتان وفترتان من التاريخ، فمن جهة التلوين على القباب والخزف المطبوخ اللامع، ومن جهة أخرى القوة القديمة للشكل البحت. إن في المعمار الاسلامي غيابا للرمز التمثيلي لأن المسجـد لا يتـجـه مثـل الكنيسة نحو السر المقدس ولا يصور الكوسموس كما يصوره المعبد الهندوسي، فاستقل المعمار عن المطلب الرمزي وغـدا فـنـاً بحتاً كما في "غوراي أمير" في سمرقند (1434م) و كما في مسجد "قوة الاسلام" في دلهي، و كل هذا في فترة متجهة نحو اللون والرقة.
وفي الحقيقة معمار الاسلام منجذب نحو قطبين: قطب عظمة الشكل وبساطته وقطب البهاء والسطوع. ولقد حاول "سنان" في اسطنبول التركيب بين القطبين، أي قطب الاسلام المتوسطي الغربي والقطب الاسلامي الايراني. أما في معمار القصور فنجد العكس من هذا الاتجاه.
ففي أقصى الشرق، في أغرا يجمع "التاج محل" بين جمالية إلاهية حقاً قلما وجدت في تاريخ الفن الانساني وبين روعة الشكل المقتربة من العظمة، المتجاوزة للرقة. لكن في أقصى المغرب، أي في الأندلس تقوم "الحمراء" مثالاً على الرقة و الجمال الذي لا يقع مع ذلك في التكلف. هذه بعض تأملات سقتها عساها ان تشارك في تغذية الحس النفي في الضمير العربي المعاصر وهو غائب الى حد بعيد، كما غاب في فترة القوميات الآن معنى الوحدة التي قامت عليها إحدى كبرى حضارات الانسان.
اقرأ المزيد »

الفن الجزائري الحديث.. محاولة للإبداع



لو اعتبرنا الفن التشكيلي أدبا تكتب فيه مئات الصفحات في لوحة واحدة، أداته الفرشاة، ومادته الألوان والأصباغ، تنبثق أبعاده ومدلولاته من واقع الشعب وتاريخه وانتمائه وأحلامه، لقلنـا إن الفنـانين التشكيليين الجزائريين برعوا في هذا الأدب وسجلوا فيه مئات الصفحات الخالدة التي انتزعت إعجـاب خبراء الفن الغربيين.
قـال أحـد النقاد الغـربيين وهو يصف الفن الجزائري: "إن رسامي الشرق كـانوا من بين أفضل أولئك الـذين تمكنـوا من تحويل أنـاملهم إلى عدسات!". ولقـد أقـامت في الجزائر خلال القرن التاسع عشر نخبة من كبار المستشرقين والرسامين الغـربيين الـذين انبهـروا بثراء البيئـة الاجتماعيـة الإسلامية، وترك العديد منهم لوحات وأعمالا ناطقة تعبر عن انجذابهم إلى سحر هـذه البيئة وعمقهـا وأصالتها وثرائها بالتراث المتميز، وكان من أبرز هؤلاء "دولاكروا" و"فرومنتين" و "سكاسريو" و "إيتيان ديني" وغيرهم من الذين أضافوا لمعروضات المتحف الوطني للفنون الجميلة أعمالا رائعة. ولقد بلغ تأثر بعضهم بهذه البيئـة حد التمسك بالإقامة الدائمة في الجزائر لتدريس الطريقة الغـربية في التعبير الانطباعي في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالعاصمة الجزائرية. ولقـد ذهب الرسام الفرنسي الشهير "إيتيان ديني" في تأثره بهذا التراث إلى حد إشهار إسلامه عام 1913 وسمى نفسـه "نـاصر الـدين"، ومـات عقب أدائه لفريضة الحج عام 1929 ودفن في مدينـة بوسعادة الجزائرية بعد أن أقام عدة معارض فنية في الجزائر وبـاريس أبرز من خـلالها عمق التراث الإسـلامي وأبعاده الحضارية والإنسانية.
ولعل السمة الأساسية في الفن الجزائري الحديث، التي تبرز جليا في معظم الأعمال المعروضة في المتاحف وبيوتات الفن - إن لم نقل فيها جميعا - تكمن في أنه عبّ بعمق من منابع الفن الإسلامي الأصيل الذي كتب له أن يتطور على نحو مثير للإعجـاب في دول المغرب الإسلامي كافة. وكانت فنون كتابة آيات القرآن الكريم بالخط العربي، المصبوبة في أطر من الزخارف الهندسية المتشابكة، إلى جـانب تصـوير المساجد والجوامع والأحياء الشعبيـة، تمثل المادة الرئيسـة التي تنـاولها الفنانون ببراعة وثـراء. ويمكن أن ينسب للفنانين الجزائريين فضل المساهمة البناءة في تطوير شكل الحرف العربي وأبعاد الهندسة الزخرفية بشكل مستمر خلال فترة متميزة دفعتهم فيها وطنيتهم إلى الإبداع أثناء سعيهم الدءوب للتعبير عن انتمائهم وهويتهم.
الفن الانطباعي في الجزائر
وكانت محصلـة هذه الجهود قد تمثلت ببروز فنانين مشاهير ذوي مدارس متميزة أثروا الحركة الفنيـة الجزائرية بمجموعات مهمة من التحف التشكيلية التراثية. وقـد تكـون أبـرز سمات الفن الانطبـاعي في التشكيل الجزائري هي تلك التي يتضح فيها الارتباط الوثيق والتناسق البنائي بين فن كتابة الخط وأبعاد الزخرفة الهندسية. ولعل من الخطأ التصور إن المدارس التشكيلية الجزائرية هي امتداد لنظيراتها المشرقية العربية أو الإسلامية، لأن المشاهد المتمعن في نتاجاتها سرعان ما يقع على تميزها الذي فـرضته ظروف المنطقة وإيحاءاتها ومدلولاتها. وعلى الرغم من التركيـز على الجانب الانتمائي في الفن التشكيلي الجزائري فإن الفنانين لم يكـونوا متحجـرين وصادين عن التأثر بالمدارس الفنيـة الغربية وأساليبها في التعبير الانطباعي. ولقد سعى العديد منهم إلى توظيف هذا التزاوج بين المدرستين لتجـديد الدم الذي كـان يجري بحيوية في عروق الحركة الفنية الجزائرية..
ضمن هـذه البيئة من التمسك بالأصل والتراث، والانفتاح المقنن على الغرب ترعـرع العديد من الفنانين التشكيليين الجزائريين الذين سنتعـرض لسير وأعمال أهمهم.
ولد محمد راسم في العاصمة الجزائرية عام 1896. وهو ينحدر من أسرة عريقة في ضروب الفن التشكيلي سعت إلى إبراز التراث التقليدي والانتماء الإسلامي للشعب الجزائري. ويعـد راسم من رواد المدرسـة التقليدية حيث اهتم برسم المناظر الطبيعية والأحياء والزوايا الشعبية بالزيت، كما برع في فنون النمنمة والزخرفة، برزت قدراته الإبداعية أثناء عمله أستاذا في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في مدينة الجزائر، وفاز بـالجائزة الجزائريـة الكبرى في الفن التشكيلي عـام 1933، كما أحرز ميدالية الفنانين المستشرقين التي كانت تمنحها رابطة الفنانين الغربيين المقيمين في الجزائر لكبار الفنانين. وبلغ صيته أقـاصي أوربا حيث منح العضوية الشرفية لجمعية الفنانين الملكيـة في إنجلترا. وأقام العديد من المعارض الشخصية في لندن وباريس وفيينا والقاهرة واستوكهولم وكوبنهاغن وأوسلو وتونس وفرصوفيا وبيروت وبغداد والجزائر. وتوجد العديد من أعماله الزيتية ومنمنماته في المتحف الوطني للفنون الجميلة في مدينة الجزائر وكمقتنيات في العديد من المتاحف وصالات العرض عبر العالم. وفي عام 1960 كثر كتـابا بعنـوان "الحيـاة الإسلاميـة في الماضي"، كما نشر عام 1971 كتابا مفصلا حول سيرته وفنه بعنوان "محمد راسم الجزائري".

محمد تمام
فنان فـذ، متعـدد المواهب، ذائع الصيت، احترف الفن التشكيلي بمختلف منـاحيه وضروبه، فبرع في التصويـر بالزيت وبالزخرفة العربية الإسلامية وفن المنمنمات وتأثر أيما تأثـر بـالفن الموسيقي الأندلسي، واهتم بتاريخيه، والكتابة عن رواده، وكان يجيد العزف على العود والقيثار..
ولد محمد تمام في الثالث والعشرين من شهر فبراير من عام 1915 في حي القصبة العتيـد بالعاصمة الجزائرية. وظهر ميله للإبداع في الفن التشكيلي منذ صغره بسبب نشـوئه في وسط فني، فكـان صـديقا ملازما للفنانين والحرفيين البارعين الذين دأبوا على تخليد التراث الإسـلامي من أمثال الأخـوين عمر ومحمد راسم والفنان التركي البارع دلاشي عبدالرحمن ومصطفى بن دباغ. واتصل بـرواد الحركـة الفنيـة الاستشراقيـة الأوائل وعلى رأسهم "لادولاكـروا" و"فرمنتان" و "رينوار" و "إيتيان ديني" والمؤرخ "جورج مارسيه" و"سوبيرو" و"لانغلوا"، كما استقى الكثير من الخبرة في فن الرسم وتدبيج الألوان خلال فترة انتسابه إلى "مدرسة الفنون الزخرفية والمنمنمات الإسلامية" التي أسسها عمر راسم وكـانت تحمل مشعل إحياء التراث الجزائري الإسلامي والتصدي للأهداف الاستعمارية الكامنة في حركة الاستشراق. وكان محمد تمام يجمع في شخصيته بين اتجاهين متناقضين ظاهريا، حيث كان شـديـد التمسك بـالتراث العـربي الإسلامي، وفي الوقت نفسه كان دائم التوثب للاطلاع والانفتاح على إبداعات الحضارة الغربية..
تعلم تمام القواعد الأولى لفن الزخرفة والنمنمة على يـدي معلمه الأول عمر راسم في بداية عام 1931، واتصل بالعـديد من الفنـانين الجزائريين الملتزمين فشجعوه على الانتساب إلى مدرسـة الفنون الجميلة فتفوق فيها حتى خصـه الحاكـم العام الفرنسي لمدينـة الجزائر بمنحة خـولته الانتساب إلى المدرسة العليا للفنون الزخرفية في باريس عام 1936. ولقد تمكن في فترة دراسته من الاتصال والاحتكـاك برواد المدارس الفنية الحديثة في أوربا. وعاد تمام إلى الجزائر بعد قضاء 27 عاما في فرنسا ليبدأ فترة العطاء الغزير والإنتاج الرفيع من الأعمال الفنية التي تشهد الآن على براعتـه الفائقة وأصالته الراسخة وإحساساته المرهفـة العميقة. ويبـدو ميل محمد تمام للمدرسة الانطباعية من خـلال أعمالـه الأولى التي صور فيها بالزيت مناظر طبيعية ومواضيع اجتماعية. وسرعان ما استحوذ فن الزخرفة الإسلامية على الكثير من اهتماماته، حيث رسم زخـارف فـائقـة الجـمال لصفحـات القـرآن الكـريم بالإضـافة لمواضيع أخرى ذات طابع ديني وتراثي..
عمل محمـد تمام أستـاذا في الزخرفة والمنمنمات في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة، وساهم في تأسيس الاتحاد الوطني للفنون التشكيلية عام 1967. وشارك في العديد من المعارض الفنية، الشخصيـة والجماعية، في العديد من دول العالم.
مصطفى بن دباغ
يعـد مصطفى بن دباغ أحـد رواد الفن التشكيلي الجزائري. ولد في الخامس من شهـر سبتمبر من عام 1906 في حي القصبـة الـذي خـرج العـديـد من الشخصيات الوطنية والفنية، وهـو ينتمي لعائلة عرف عنها الضلوع في الحرف ذات الطابع الفني، فكان أبوه مساحا، وجده لأمه عالما في الفلك والرياضيات عرف باسم "أحمر خدو". برع ابن دباغ في فنون الزخرفة منذ صغـره، حيث تتلمـذ على الفنـان التركي دلاشي عبدالرحمن ودرس فن صناعة الخزف في مدرسة الفنون الجميلـة على الأستـاذين "سـوبيرو" و"لانغلـوا" المتخصصين في فن الزخرفة الفارسية. واهتم بعد ذلك بالغوص في فضاءات فن الزخرفة الإسلامية وقرأ حولها العديد من الدراسات المنشورة للمؤرخين والفنانين المستشرقين من أمثال "ميجون" و "بـايو" و"ريكـار" و "مارسي". وتلازم ظهور نبوغه في فن الزخرفة مع تصاعد شعوره الوطني وميله للدفاع عن أصالـة الشعب الجزائري العربي المسلم والتصـدي لحملات التشـويه والتشكيك التي كـانت تقودها السلطات الاستعمارية الفرنسية ترسيخا لاستراتيجيـة ضم الجزائر إلى فـرنسا، فأسس "جمعيـة شمال إفريقيا للفنون الزخرفية" التي كانـت مقرا للنضال الـوطني إلى جـانب العمل الفني، فبادرت السلطات الفرنسية إلى تبـديل اسمهـا إلى "جمعيـة الحرفيين المسلمين الجزائريين". وفـازت هذه الجمعية الجديدة بتأييد كبار الشخصيات الوطنية الجزائرية لما كان لها من أبعاد نضالية فأغدقوا عليها العطايا والهبات حتى بلغت من النجاح أكثر مما كان ينتظر مؤسسوها. وبـرزت أعمال ابن دباغ الزخرفية المتميزة من خلال المعارض التي أقامتها الجمعية، ففضلت السلطـات الفرنسية الاستفادة من خبراته وعينته أستاذا في مدرسة الفنون الجميلة، ليصبح أول جزائري يرتقي إلى هذه المرتبة.. ولا بد أن نشير، في آخر هذا العرض الموجز، إلى أن رواد الحركـة التشكيلية الجزائريـة الحديثة أكثر من أن يتسع هذا المقام لذكر سيرهم وأعمالهم ومآثرهم، فهم بدون شك، يستهلون الكثـير من البحث للتعريف بأعمالهم المتميـزة التي بهرت خبراء المدارس الفنيـة الغربية. وقـد يكـون لي، أو لغيري، حظ الحديث، في عجالة أخرى، عن المآثر الفنية لمحمد إسياخم، ومحمد غانم، وصمصـوم إسماعيل، ومحمـد خـدة، وعلي خـوجة، وبشير يلس، وقرماز عبدالقادر، وفارس بوخاتم، والفنانة باية، وأزواو معمري، وغيرهم.
اقرأ المزيد »

ناصر الدين ديني



ناصر الدين ديني : لوحة إنسانية خالـدة .. أحالنا على الهوية عبر أنامل التشكيل الحالم .. "
" الفونس إتيان ديني " .. هذا اسمه الأول .. حوّلته واحة بوسعادة الجميلة .. إلى اسم آخر .. " ناصر الدين ديني " ..اسـم فني عالمي.. ترك آثارا كثيرة ومتعاظمة من اللوحات الخالدة التي رسمت معالم حياة واحد دخل في ديـن الله الإسـلام .. أسلم طبعا ..بعدما وجد ذاته وقد انغمست في سحر تلك الشخوص الطبيعيــة والإنسانية التي ألهمته مناعة في أن يكون ضمن هذا الفضاء الطبيـعي الخلاب الذي يحيل عـلى الحب والدهشة والعطاءات الفنية .. من هو إتيان ديني : ولد " ألفونس إتيان ديني " بباريس في 28 مارس 1861 من عائلة يرجع أصلها إلى مقاطعة " لوارييه " وكان أبوه محاميا لدى محكمة " السان " ..وكان جده المهندس ابن وكيل الملك في " فونتان بلو " أما أمه " لويز ماري أدل بوشيه " ..فقد كانت أيضا بنت محامي مشهور .. بعد الدراسة الثانوية التي توجت بحصوله على الباكالوريا تم قبوله في مدرسة الفنون الجميلة بباريس ولدى تخرجه من المدرسة لقي عمله الأول " الأم كلوتيد " اهتماما كبيرا في أوساط النقاد في صالون عام 1882 بباريس.. ويمثل هذا العمل صورة فلاحة مسنة بقبعتها البيضاء الخاصة بالنساء الريفيات .. في عام 1883 تحصل على لوحة الشرف من خلال لوحته " صخـرة صاموا" عندئذ قام برحلته الأولى إلى الجزائر ، في عام 1884 منحه صالون قصر الصناعة وساما ثالثا كما أعطاه بمناسبة هذا التتويج منحة اتاحت له في أن يقوم برحلة ثانية إلى الجزائر .. وفي سفرية طويلة إلى الجزائر وصل إلى ورقلة والأغواط وهناك وجد ضالتـه المنشودة إذ تركـت فيه المناظر الخلابة التي رآها في الجنـوب الجزائري أثرا عميقا في حيـاته ..ومن ضمن اللوحات الرائعة التي استوحاها من الجنوب لوحة " سطوح الأغواط " المعروضة الآن في متحف الفنون الجميلة بالجزائر .. وفي عام 1889 منح الوسام الفضي في المعرض العالمي المقام بباريس وتعرف ناصر الدين ديني على شاب جزائري يدعى سليمان بن إبراهيم باعامر فاشتدت روابط الصداقة و الوفاء بينهما، ومنذ ذلك الحين صار ابن إبراهيم يشاركه في كل مجالات حياته الفنية والفكرية .. واعتبارا من عام 1905 استقــر دينيه نهائيا في بوسعادة مع قيامه في نفس الوقت برحلات مستمرة إلى فرنسا و كان يعيش في بيت متواضع سقفه من التراب و القصب و هذا السقف مدعم بالعارضات التقليدية من العرعر و في هذا البيت بالذات يوجد الآن متحف سمي باسمه ( متحف ناصر الدين ديني في حي الموامين ببوسعادة ) . كان دينيه على اتصال مباشر بصديقه سليمان إبراهيم يرشده في كل مكان و هكذا قام بالعديد من الرحلات عبر الصحراء حيث تعلم النطق العربي و فهم النفسية و العادات و التقاليد الجزائرية و أحب الدين الإسلامي حتى اهتدى بهديه و اتخذه دينا عام 1913 و تقلد الإسم الجديد ناصر الدين و يذلك صدق قول ولي منطقة بوسعادة " سيدي ثامر " رحمه الله الذي قال قولته المأثـورة:" إن الله يبارك كل من يعيش في بوسعادة أكثر من أربعين يوما.. " ..و قد أثار اعتناقه الإسلام حملة خفية من الافتراءات و اشتدت خاصة عندما أصر على إسلامه .. لقد وصفه الأوربيون بأنه "خائن الغرب " و مع ذلك كان اختياره هذا نابع عن إيمان منطقي و عميق و دراية تامة بمسعاه الجديد حيث كان جادا و مخلصا في اختياره هذا.. فقد جسد ما يمليه عليه ضميره فاتبع المبادئ بكل دقة و إحكام .. كان رسمه يحظى بالتقدير عن عالم الفن ، حتى أن متاحف عدد من العواصـم الكبرى اشترت أثار ناصر الدين مثل ( متاحف برلـين ، باريس ، و سيدني و طوكيو ) و في شهر ماي 1929 ، و عن عمر يناهز 68 سنة ، عزم ناصر الدين على إتمام شطر دينه بالحج إلى مكة المكرمة و هذا بالرغم من تخوفاته و خشيته بأن لا يتمكن من التغلب على التعب و على مشاق هذه الرحلة الطويلة .. و قد كتب من مدينة جدة يقول :"هذه الرحلة تركت في نفسي انطباعات لم أشعر بما هو أسمى منها في كل حياتي . فلا أحد في العالم يمكنه أن يعطي فكرة عما شاهدته من جوانب هذه العقيدة الوحدانية من حيث المساواة و الاخوة بين حوالي 250.000 من الناس من مختلف الأجناس كانوا مزدحمين الواحد بجانب الآخر في صحراء موحشة " .. و بالفعل و بعد وقت قصير من رجوعه من الديار المقدسـة في 24 ديسمبر 1929 ..رزح الحاج نصر الدين دينيه تحت نوبة مرضية كانت قاضية على حياته و هكذا أقيمت له صلاة الجنازة في مسجد باريس و حسب أمنيته فقد نقل جثمانه بعدها إلى بوسعادة حيث دفن في 12 جانفي 1930 مشيعا بعدد كبير من الأصدقاء حيث يرقد الآن رحمه الله مع صديقه المرحوم سليمان بن ابـراهيم بمقبرة حـــي " الدشرة القبلية " بمدينة بوسعادة . وصية ناصر الدين دينيه .. في الخامس من شهر ديسمبر 1913 ترك لنا الرسام الشهير ناصر الدين دينيه وصيته الخالدة تلك الوصية التي أعلن فيها رسميا دخوله الدين الإسلامي حينما قال : "هذه رغباتي الأخيرة فيما يخص جنازتي يجب أن تشيع جنازتي طبقا للتعاليم الإسلامية ، لأنني اعتنقت الإسلام بكل إخلاص منذ عدة سنوات و كرست كل منجزاتي و مجهوداتي لتمجيد الإسلام .. يجب أن تدفن جثتي في المقبرة الإسلامية بمدينة بوسعادة التي أنجزت فيها القسم الأعظم من لوحاتي ، إذا كانت وفاتي في بلاد أخرى فيجب أن تعاد جثتي إلى بوسعادة و تكون تكاليف النقل من تركتي و إذا وافاني الأجل في باريس و لم يتواجد أي مسلم لإقامة صلاة الجنازة ، فإن جنازتي يجب أن تكون مدنية فقط ريثما تشيع جنازتي حسب التعاليم الإسلامية في بوسعادة ...إن هذا التصريح يلغي جميع القرارات التي ربما كنت قد اتخذتها في تاريخ سابق باريـس 05/12/1913 إ .دينيه فنان ـ رسام نصر الدين دينيه العالم المؤمن : لم يقتصر نصر الدين على ميدان الرسم فقط ، فقد كان مولعا بالبحث عن الحقيقة و المطالعة و هكذا فقد أنتج عددا من المؤلفات ذات الصبغة الأدبية و الدينية.. إن الكتابات الأدبية و التاريخية التي نشرها لوحده أو مع صاحبه سليمـان بن ابراهيم تشهد على رغبته تصحيح آراء معاصريه فيما يتصل بنظرتهم الخاطئة إلى الإسلام.. لقد تصدى في كتابه الشرق في نظر الغرب للرد على عدد كبير مــن المستشرقين الغربيين الذين كانوا يتهجمون على الدين الإسلامي عن جهل أو عن فهم سقيم . و بعد عدة شهور من وفاته صدر له كتابه الشهير " الحج إلى بيت الله الحرام " و هو أكبر شاهد على ورعه و تقاه وعلى سعة إطلاعه . علما أنه ترك لنا أيضا كتابه الشهير " محمد رسول الله " الذي من ترجمة كل من الدكتور عبد الحليم محمود و كذا الدكتور محمد عبد الحليم و كان قد وضع مقدمة هذا الكتاب الشهير.. شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود في مارس 1956 و مما قاله في مقدمته : " لقد عاش فنانا بطبعه ..كان مرهف الحس.. رقيق الشعور ..جياش العاطفة ..و كان صاحب طبيعة متدينة أيضا ..كان كثير التفكير.. جم التأمل ..يسرح بخياله في ملكوت السماوات و الأرض.. يريد أن يخترق حجبه و يكشف عن مساتيره.." حينما توفي ناصر الدين كتب عنه الأستاذ المعروف " راشد رستم " مقالا في جريدة الأهرام بتاريخ 19/12/1929 وكان على صلة به :" أحب المسيو دينيه حياة العرب.. و هو ذلك الفنان الكبير ..فاتخذ له بينهم مقاما محمودا في بــلاد الجزائر.. في تلك الواحة الهادئة الجميلة ..هو من كبار أهل الفن و رجال التصوير و صاحب اللوحات الكبيرة النفيسة القيمة تزدان بها جدران المعارض الفنية و تحتفظ بها المتاحف الفرنسية و غيرها من المتاحف العالمية في طوكيو و سيدني ..و جميع صوره تدل على القدرة الفنية الكبيرة في رسم الصحراء ..كما تدل على دقة التعبير عن الحالات النفسية المختلفة .." .. قالوا في إتيان دينيه : "و مهما حاولنا ..فلم نوفي دينيه حقه من التنويه بشجاعته حين كشف الأغلاط الفادحة التي ارتكبها بعض المستشرقين في تفسيرهم وفي ترجمتهم لبعض النصوص العربية و كذلك فقد ندد بظلم السلطات الاستعمارية و نجح أحيانا في إدانتها " محمد راسم الجزائر 1974 "إن فنه و إن كان عصره قد تخطاه ، إلا أنه يعتبر مرحلة من مراحل الإستشراق الإفريقي ..بل يعتبر صفحة مشرفة من صفحاته ..و مما لا شك فيه أن لدينيه المكانة التي يستحقها عن جدارة في الرسم ". جان لونوا وهران 1962 "استطاع دينيه أن يصور الجمال أروع تصوير و أن يستخرجه من الحقيقة التي لا توجد حقيقة سواها ". لويس بينيديت محافظ متحف لوكسمبورغ "و أثبت بريشته في مواطن كثيرة ما كشف به قناع الوهم عن العيون و ما تمكن به من إثبات الحنو كأنه بهذا أو ذاك يشاطر القوم السراء و الضراء " .. مجلة الشهاب 11 نوفمبر 1927 "إننا نرى من الواجب أن نشيد بذكر هذا الرسام العظيم الذي ساهمت لوحاته البديعة في إثراء متاحفنا و في تزيين العديد من المباني الرسمية .." الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الجزائر 1975 "لن نكون من المنصفين إذا نحن قلنا بأن دينيه وقع في الابتذال وراح يبحث عن المناظر الغريبة في الصحراء الساحرة ..لقد آمن دينيه بالديانة الإسلامية إيمانا صادقا ودخل فيها عن دراية واقتناع " . ج .اوديزيو " إن مواهبه كفنان نادرة وأما بخصوص اعتناقه للدين الإسلامي فهذا أمر لا يمكن لعقليتنا الغربية العريقة والدينية أن تقبله وهذا ما جعله إنسانا فريدا .." الكاتب ج .دينيه .رولانس. 1938 كلمة كريستالية : لم تكن هذه الكلمات سوى إشارات من تشكيل حالم رسم كينونته الرسـام العالمي ناصر الدين ديني الذي أحب الجزائر ودخل في الدين الإسلامي لأجل سيمفونية فنية عايشها عبر رحلاته الأولى إلى الجزائر ..بوسعادة الجميلة هي التي ألهمته رؤى من تشكيل يليق بمقام شخوص فضـــاء يملك كل الأدوات الفنية الخلابـة ..أتصور أن بوسعادة ساهمت في تشكيل الرجل من جديد.. لبسته عبر عبقها الذي يغري القلوب.. بوسعادة شهادة حية على تطعيم القلوب بحب يرسم الخلاص ..لولا بوسعادة لما دخل هذا الفنان في ردهات الحياة الساحرة ..بوسعادة التي أعرفها وعشت فيها أياما سحرتني وجعلتني ـ حتى أنا ـ ارسم لنفسي توليفة الإضافة في واقع لا يخون القلوب ..من مدينة عرفت كيف تؤسس للعالمية الفنية عبر ناصر الدين ديني .. وبه هو أيضا نكون قد أفلحنا في الجزائر إلى جر أكبر فنان في العالم عبر موسوعة مكانية غسلت القلب والذات ورسمت اللغة الحضارية لمن كانوا يتصورون أنفسهم حضارة ..عندما أكون في بوسعادة .. أرى نفسي وقد تصالحت مع التاريخ الفني ..يرسم لي لوحة أخرى على مثل شاكلة لوحات ديني الخالدة وكأنني رسمت بدوري لوحات " سحرة الثعابــين " و " الفتيــات العربيات " و" المتربصون " و " والزوجة المهجورة " ..وصورة ديني نفسها يطل من نافذة بيته القديم .. ناصر الدين حضارة .. بوسعادة واحة من عشق تلهم الكبار والصغار عشقا حضاريا.. وإتيان ديني نمط حضاري لا يمكن للجحود أو النسيان أن يجعله ذاتا غارقة في وحل اللعنة ..رحم الله " إتيان ديني " الفنان الكبير في قبره بحي " الدشرة القبلية" العريق ..ولنا فيه وفي بوسعادة ألف عبرة ..
اقرأ المزيد »

 

Featured